قد نتفق إلى حد التسليم أن الأمر أصبح واقعا يعيشه الجميع، باختلاف الأديان والمذاهب والثقافات، والدول، والأقطار، والقارات، أننا نعيش في أتون توحش رأسمالي، يستعبد البلاد والعباد، وما هذه الحركات، والتحركات، المجتمعية، والنضالية، إلا محاولة لفك الرقاب من حبل الرأسمالية الذي ضاق وشد الخناق حتى بلغت الأنفس الحناجر.
إننا نعيش في استعباد حديث يمارسه هؤلاء الرأسماليون، ولا فرق بين الشعوب المادية، ولا الشعوب التي تعيش في مجتمعات هجينة وهي الدول الإسلامية برؤية مادية وعلمانية، فالإنسان فيها يمكن أن نشبه بثور أو حصان أو أي حيوان من حيوانات الحقل، يبذل كل جهده ليحصل في نهاية النهار على حفنة شعير، أو كومة قش لسد رمقه، والبقاء على قيد الحياة، وهكذا دواليك حتى "ياخذ مول الأمانة أمانته"، أو كنبتة يقطرون لها الماء تقطيرا فلا هو الماء الكافي لنموها وترعرعها، ولا الماء القليل لتيبسها وموتها، إنما يقطرون لها الماء تقطيرا لسد الرمق لا غير، وكذلك رباعة الرأسماليين وكأنهم متفقون على مبلغ معين لا يكاد يبلغ بصاحبه أيام الشهر المعدودة الأيام، حتى يقترض ويقترض ويقترض.
وحتى نربط هذا الأمر بهذه الاحتجاجات في الشارع المغربي ونطرح ذلك متسائلين كيف يمكن لحكومة رجال الأعمال أصحاب الشكارة، حكومة الرأسماليين، أن تنزل مشروع اجتماعي على أرض الواقع؟؟ فهناك تناقض نظري، وتناقض تطبيقي معاش، كيف يمكن لمن يملك الشركات وهو لا يسلك المسلك الاجتماعي في تعاقداته مع عماله، بل يستغلهم استغلالا، أن ينزل مشاريع اجتماعية لا توجد في قاموسه الرأسمالي، ففاقد الشيء لا يعطيه.
وهناك من يدعي بمجرد دعوى جوفاء أنه ضد الرأسمالية، وأنها تخالف كل ما يتلفظ به أو يدعي أنه يحاربه ويدعوا للتخلص منه، لكن عند التعامل أو التأمل المتعمق وليس نظرة من بعيد دون احتكاك ولا معاملة، تتجلى لك الرأسمالية بتوحشها في أبشع تجلياتها على واقعنا المعاش البئيس.
توحش الرأسمالية هذا نلتمسه فيما روي منذ زمن كنكتة على شكل مشهد تراجيدي جمعت بين رجلين، واختلفت الروايات عن مكان الحدث، مع الاتفاق في فعله وهو السفر، فهناك من قال كانا على متن قافلة، ومن قال كانا على متن قطار، ومن قال كانا على متن حافلة، ومن قال كانا على متن سيارة أجرة، ويُروى بصيغة ضعيفة أنهما كانا على متن طائرة وهذا مستبعد لأن عقدة القصة أو حبكتها لا توافقها حسب رأينا المتواضع؟؟؟
ما علينا نكمل قصتنا...كان الرجلان متجهان إلى وجهة من وجهات السفر المعتادة، بطلنا الأول جلس في كرسي مقابل أو ملاصق لبطلنا الثاني الذي وصفت القصة ملامحه بأوصاف مختلفة ولكن كل ذلك يشير إلى التدين ولكنه مع الأسف كما سيظهر في الختام تدين ظاهري بالمظهر لا المخبر، بالجوارح لا بالقلب، نرجع إلى مكان الحدث والذي كما قلنا ملاصقا أو مقابلا حسب وسيلة النقل المختارة، وبعدما بلغ كلب الجوع مبلغه أخرج صاحب التدين الظاهري لفافة بها دجاجة كفنت في كيس بلاستيكي وورق الألومنيوم، قبل أن يقبرها في بطنه ولا يبقي منها شيئا، وحولها إلى أثر بعد عين، وصاحبنا الأول يتأمل ويشاهد بنظرات تنتظر من الآكل النهم دعوة للمشاركة، ولو بجزء يسير من هذه الدجاجة، ولكن الآكل النهم مسحها من الوجود مسحا، وجمع ما تبقى من عظامها ولفها ليلقيها في القمامة، وفي هذه اللحظات رفع الأذان لأداء الصلاة، ليلتفت صاحبنا المتخوم وهو يتجشأ على جاره في السفر والذي كاد يغمى عليه جوعا، ومن شدة رائحة الوليمة الشهية التي أجهز عليها صاحبنا، ويسأله "الأخ كيصلي"؟؟!!
مع الأسف الشديد كنا نعتقد أن مثل هذه القصص هي ضرب من الخيال لكن هناك من تقمص ولعب دور آكل الدجاجة، والله المستعان، والفاهم يفهم.
0 تعليقات